هل وجدت شركات النفط الكبرى قاعها؟ الكفاءة بدلًا من التوسع
شهدت أسهم الطاقة ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد جائحة كوفيد-19. فقد ارتفع قطاع الطاقة في مؤشر S&P 500 بنسبة تقارب 50% في عام 2021 و55% في عام 2022، متفوقًا بشكل كبير على أداء السوق العام. وجاء هذا الارتفاع مدعومًا بزيادة الأرباح وتدفق نقدي حر قوي، حيث وجهت شركات النفط والغاز هذه الأموال إلى توزيعات قياسية للمساهمين. ورغم تراجع أسعار النفط عن مستوياتها المرتفعة في عام 2022، فإن شركات الطاقة في عام 2025 ما زالت تحقق أرباحًا قريبة من مستوياتها القياسية. وهذا دليل على انضباط مالي جديد. فشركات النفط الكبرى تحقق اليوم أرباحًا تقارب ما كانت تحققه عندما كان سعر البرميل يتجاوز 100 دولار، حتى مع سعر 80 دولارًا فقط للبرميل، وهو ما يعكس تحسنًا كبيرًا في الكفاءة والسيطرة على التكاليف.
الارتفاع التاريخي لقطاع الطاقة مقابل أداء السوق
المصدر: TradingView. جميع المؤشرات تمثل العائد الإجمالي بالدولار الأمريكي. الأداء السابق ليس مؤشرًا موثوقًا على الأداء المستقبلي. البيانات حتى 11 نوفمبر 2025.
ارتفع صندوق Energy Select Sector SPDR (XLE) بأكثر من 120% من أوائل عام 2021 حتى نهاية عام 2022، متفوقًا على مؤشر S&P 500، قبل أن يستقر خلال عام 2025.
ومع استقرار أسواق النفط نسبيًا، بدأ المستثمرون يتساءلون: هل وصلنا إلى ذروة دورة الأرباح هذه، أم أن شركات الطاقة أصبحت ببساطة أكثر ذكاءً في تحقيق الأرباح؟
قصة الكفاءة: الانضباط فوق التوسع
قبل عقد من الزمان، كان المتداولون في النفط يسعون للنمو بأي ثمن. شهدت طفرة النفط الصخري في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عمليات حفر مكثفة وإنفاقًا رأسماليًا ضخمًا، غالبًا دون تحقيق عوائد تُذكر. تلك الأيام من الازدهار والانهيار استبدلت الآن بفلسفة جديدة: الانضباط بدلًا من التوسع. اليوم، تقلص الشركات الكبرى إنفاقها الرأسمالي وتُعطي الأولوية لعوائد المساهمين. العديد من شركات النفط العامة تعيد استثمار حوالي 50% فقط من تدفقاتها النقدية في مشاريع جديدة — وهو أدنى مستوى تاريخيًا — وتعيد الباقي إلى المساهمين. النتيجة هي نمو إنتاج أبطأ ولكن تدفق نقدي حر أعلى بكثير لكل برميل.
أسعار النفط الخام: من قمم 2022 إلى مستوى التوازن الجديد
المصدر: TradingView. جميع المؤشرات تمثل العائد الإجمالي بالدولار الأمريكي. الأداء السابق ليس مؤشرًا موثوقًا على الأداء المستقبلي. البيانات حتى 11 نوفمبر 2025.
بلغت أسعار النفط ذروتها بالقرب من 120 دولارًا في عام 2022 قبل أن تتراجع إلى نطاق 70–80 دولارًا، ومع ذلك ظلت الشركات الكبرى في مجال الطاقة تحقق أرباحًا مرتفعة بفضل مكاسب الكفاءة.
انخفضت نقاط التعادل بشكل حاد: إذ تستهدف شركات النفط الكبرى الآن مشاريع تحقق الأرباح عند 30 دولارًا للبرميل فقط، أي نحو نصف المستوى قبل عقد من الزمان. أدت التحسينات التكنولوجية وخفض التكاليف إلى أن العديد من المنتجين يحققون الآن أرباحًا مستقرة عند أسعار 70–80 دولارًا للبرميل، وهي مستويات كانت تمثل تحديًا في السابق.
هل يقلل المستثمرون من أهمية أن الربحية أصبحت الآن تعتمد أكثر على التنفيذ والكفاءة وليس فقط على سعر النفط؟
مرونة الأرباح واتجاهات التدفق النقدي
على الرغم من الانخفاض الطفيف في أسعار النفط والغاز منذ ذروتها في عام 2022، أثبتت أرباح الشركات العالمية الكبرى في مجال الطاقة مرونتها اللافتة. حققت شركات BP وChevron وExxonMobil وShell وTotalEnergies صافي دخل بلغ 123 مليار دولار في عام 2023. والأهم من ذلك أن التدفقات النقدية الحرة ظلت قوية. فقد أعادت هذه الشركات مجتمعة 111 مليار دولار إلى المساهمين في عام 2023، رغم انخفاض أسعار السلع مقارنة بالسنوات السابقة.
تظل هوامش الربح قوية حتى مع انخفاض الأسعار (وهو مؤشر على تحسن هيكلي). وحققت أقسام التكرير والتجارة أداءً قويًا. سجلت TotalEnergies زيادة بنسبة 76% على أساس سنوي في أرباح قطاعها السفلي. وتستفيد الشركات الكبرى المتكاملة من تنوع أنشطتها للحفاظ على الربحية. كما أن العديد منها سددت ديونها، مما قلل من تكاليف الفائدة وزاد من المرونة المالية.
إذا استمرت أرباح قطاع الطاقة في الثبات حتى في ظل انخفاض الأسعار، فهل يشير ذلك إلى “أرضية جديدة” لأرباح هذا القطاع؟
التقييم، العوائد النقدية، ونظرة السوق
رغم تدفقات النقد القوية، لا تزال أسهم الطاقة تُسعّر كما لو أن المشكلات تلوح في الأفق. يتم تداول هذا القطاع عند مضاعفات السعر إلى الأرباح المستقبلية (P/E) بين 8 و10 مرات فقط، أي نحو نصف متوسط السوق البالغ 20–22 مرة. يبلغ متوسط العائد من توزيعات الأرباح نحو 4% في العديد من الشركات الكبرى، مقارنة بـ1.5% فقط في مؤشر S&P 500. كما أن العديد من أسهم النفط والغاز تحقق عوائد من التدفق النقدي الحر في النطاق المرتفع من خانة الآحاد، ما يدعم توزيعات قوية وإعادة شراء للأسهم.
فما سبب هذا الخصم؟ ذكريات العقد الماضي، والمخاوف المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)، وانخفاض الوزن النسبي للقطاع في المؤشر من حوالي 14% إلى 4% كلها عوامل مؤثرة. وقد تعكس هذه التقييمات المنخفضة شكوكًا من قبيل: “لا نعتقد أن هذه الأرباح مستدامة.” أم أن المستثمرين يغفلون عن تحول هيكلي عميق؟
هل يسعّر السوق قطاع الطاقة وكأنه في تراجع بينما أساسياته تشير إلى مرونة وقوة؟
الخلاصة
يبدو أن تطور قطاع الطاقة يتجاوز مجرد دورة انتعاش أخرى. من خلال التركيز على الانضباط المالي وكفاءة التكاليف، عززت شركات النفط والغاز متانتها المالية بشكل جوهري. خلال العقد الماضي، تمكنت العديد من الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والإنتاج من تحسين ربحيتها رغم تقلبات أسعار النفط. وهذا إنجاز يؤكد على مكاسب هيكلية وليست مؤقتة.
حتى مع بقاء أسعار النفط عند 70–80 دولارًا للبرميل، يواصل العديد من المنتجين الازدهار. وإذا استقرت الطلبات وتراجعت الأسعار، فإن أفضل الشركات تشغيلًا ستظل قادرة على تحقيق تدفقات نقدية قوية. ربما لا تدور القصة حول ذروة الأرباح، بل حول إعادة الابتكار.
هل تعلمت شركات النفط الكبرى أخيرًا كيف تجني الأرباح حتى عندما لا تشرق الشمس بقوة؟