لماذا تهتم العملات بالتوقعات أكثر من اهتمامها بأسعار الفائدة
تخيّل هذا السيناريو: يقوم بنك مركزي برفع أسعار الفائدة، ومع ذلك تضعف العملة بدلاً من أن تقوى. قد يبدو ذلك مخالفاً للمنطق، لكن المتداولين المتمرسين يدركون أن ما يهم ليس رفع الفائدة بحد ذاته، بل ما كان السوق يتوقع حدوثه بعد ذلك. أسواق الفوركس بطبيعتها استباقية، أي إنها تركز على الاتجاه الذي تسير نحوه أسعار الفائدة، وليس على مستواها الحالي.
أسواق الفوركس تسعّر المستقبل لا الحاضر
يتم تداول العملات بناءً على التوقعات. فقبل وقت طويل من قيام بنك مركزي بتغيير أسعار الفائدة رسمياً، يكون المتداولون عادة قد اتخذوا مراكزهم بالفعل بناءً على ما هو قادم. وعند الإعلان عن قرار سعر الفائدة، يكون هذا القرار في الغالب قد تم تسعيره مسبقاً في السوق. فعلى سبيل المثال، تمتلك أسعار الصرف قيمة فورية (سعر اليوم) وقيمة آجلة تستند إلى التوقعات المستقبلية. وإذا اعتقدت الأسواق أن بنكاً مركزياً سيتجه إلى تيسير السياسة النقدية خلال الأشهر المقبلة، فقد تبدأ عملته في التراجع من الآن، مع قيام المتداولين بالتمركز مبكراً تحسباً لهذا التغيير، والعكس صحيح.
افترض أن المستثمرين يتوقعون أن يقوم بنك إنجلترا (BoE) برفع أسعار الفائدة قريباً، في حين يُنظر إلى البنك المركزي الأوروبي (ECB) على أنه سيوقف الزيادات أو يخفض الفائدة. حتى قبل أي تحرك رسمي، قد يرتفع الجنيه الإسترليني مقابل اليورو مع قيام الأسواق بتسعير هذا التغيير. وعند صدور الإعلان، فإن ما يحرك السوق فعلياً هو ما إذا كان القرار مفاجئاً أو مخيباً للآمال مقارنة بتلك التوقعات.
التحرك قبل حدوث التحرك
هناك مقولة قديمة في الأسواق: «اشترِ عند الإشاعة وبِع عند الخبر». يميل المتداولون إلى شراء (أو بيع) عملة ما تحسباً لحدث معين، ثم جني الأرباح بمجرد أن يصبح الخبر المتوقع رسمياً. وإذا كان من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في الربع القادم، فقد يبدأ الدولار في الضعف من الآن، مع إعادة تمركز المستثمرين استعداداً لانخفاض العوائد المستقبلية. وفي أواخر عام 2025، هبط مؤشر الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته منذ عدة سنوات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى رهانات المتداولين المسبقة على خفض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي.
تفسر هذه الديناميكية أيضاً لماذا قد تضعف العملة حتى بعد رفع أسعار الفائدة. فإذا قام بنك مركزي برفع الفائدة لكنه لمح إلى أن هذه قد تكون الزيادة الأخيرة (ما يُعرف بـ«رفع فائدة ميّال للتيسير»)، فإن المتداولين الذين يعدّلون توقعاتهم وفق هذه النظرة الأكثر ليونة قد يدفعون العملة إلى الانخفاض. ففي اليابان، على سبيل المثال، بقي الين مستقراً مقابل الدولار طوال عام 2025، على الرغم من قيام بنك اليابان (BoJ) برفع أسعار الفائدة مرتين.
إذا كان من المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 0.50%، فمن المرجح أن يكون اليورو قد عكس هذه التوقعات بالفعل. وإذا قام البنك لاحقاً بخفض الفائدة بنسبة 0.25% فقط، فقد يرتفع اليورو بشكل مفارِق، لأن الخفض كان أقل من المتوقع. أما إذا فاجأ البنك الأسواق بخفض أكبر، فمن المرجح أن يتراجع اليورو بشكل حاد.
تحرك السوق قبل تحرك البنك المركزي الأوروبي

المصدر: TradingView. جميع المؤشرات هي عوائد إجمالية مقومة بالدولار الأميركي. الأداء السابق ليس مؤشراً موثوقاً على الأداء المستقبلي. البيانات حتى 30 ديسمبر 2025.
بدأ زوج EUR/USD في الارتفاع قبل أسابيع من تأكيد البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة في مارس 2025. ولم يكن هذا الصعود مدفوعاً بالقرار نفسه، بل لأن السوق كان قد قام بتسعيره مسبقاً بناءً على التوقعات.
قوة التوجيه المستقبلي والتوقعات
تأتي إشارة مهمة من التوجيه المستقبلي — أي التلميحات والإشارات التي تقدمها البنوك المركزية بشأن السياسة النقدية المستقبلية. وإذا كان هذا التوجيه يتمتع بالمصداقية، فإن المتداولين سيحركون العملة وفقاً له قبل وقت طويل من تنفيذ البنك المركزي لسياساته فعلياً.
تشكل فروق العوائد عاملاً رئيسياً في توقعات أسواق الفوركس. إذ يقارن المستثمرون بين الفائدة التي يمكن تحقيقها من عملة معينة مقابل أخرى. فعلى سبيل المثال، إذا كان من المتوقع أن تنخفض عوائد السندات الأميركية إلى ما دون العوائد الأوروبية، فقد يضعف الدولار مقابل اليورو.
كما تلعب توقعات التضخم وآفاق النمو دوراً مهماً في تحركات العملات. فإذا كان من المتوقع أن ينخفض التضخم بشكل حاد، فقد تتنبأ الأسواق بخفض أسعار الفائدة في المستقبل، ما قد يحد من قوة العملة. ويُعد الين الياباني في عام 2025 مثالاً واضحاً على ذلك: فعلى الرغم من زيادات أسعار الفائدة، لم يرتفع الين لأن المستثمرين رأوا أن آفاق النمو في اليابان ضعيفة.
مفاهيم خاطئة شائعة حول أسعار الفائدة والفوركس
الخرافة الأولى: «ارتفاع أسعار الفائدة يعني دائماً عملة أقوى». في الواقع، الاتجاه والسياق هما ما يهمان.
الخرافة الثانية: «العملات لا تتحرك إلا عندما تتحرك البنوك المركزية». في الحقيقة، تتحرك العملات قبل تحركات البنوك المركزية.
الخرافة الثالثة: «جميع زيادات (أو تخفيضات) أسعار الفائدة لها التأثير نفسه». فقد يؤدي رفع مفاجئ بنسبة 0.5% إلى دفع العملة بقوة نحو الأعلى، بينما قد يتسبب رفع روتيني بنسبة 0.25% في تراجعها.
انتبه للمخاطر: عندما تخطئ التوقعات
أحياناً تكون افتراضات السوق خاطئة ببساطة، أو تأتي أحداث مفاجئة لتقلب الإجماع السائد. فقد قام الاحتياطي الفيدرالي بخفض غير متوقع لأسعار الفائدة بمقدار 0.50% في أواخر عام 2024 — وهو أكبر مما توقعه المستثمرون — مما أدى إلى هبوط سريع للدولار.
قد تكون الأسواق واثقة من تسعير تخفيضات الفائدة — إلى أن يأتي تقرير قوي جداً للناتج المحلي الإجمالي أو التضخم ليقلب المشهد بالكامل.
الخلاصة
بدلاً من التركيز فقط على أسعار الفائدة الحالية، يركز المتداولون الناجحون على الرواية الكاملة: إلى أين تتجه أسعار الفائدة والاقتصاد، وكم من هذه القصة قد تم تسعيره بالفعل في السوق. كل رفع أو خفض لأسعار الفائدة يعيش في ظل ما سيأتي بعده. وإذا تمكنت من مواءمة صفقاتك مع التغيرات في هذه التوقعات الجماعية، فستكون في موقع أقوى للتنقل بثقة في التيارات المتقلبة باستمرار في سوق الفوركس!