لماذا تؤثر أسعار النفط على كل شيء — حتى أسهمك التكنولوجية
يُطلق على النفط كثيرًا “نبض النشاط العالمي”. فهو يمثل نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويوجد “في كل شيء، من معدات الحماية الشخصية، والمواد البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والأسمدة، وصولًا إلى… وقود النقل”. لذلك، عندما تتحرك أسعار النفط، تمتد التأثيرات إلى ما هو أبعد بكثير من منتجي الطاقة. حتى شركات التكنولوجيا تشعر بالاهتزازات. لنرَ كيف يحدث ذلك.
النفط كعنصر تكلفة عبر مختلف قطاعات الاقتصاد
يمس النفط تقريبًا كل الصناعات. فسعره يؤثر مباشرة على النقل واللوجستيات (الشاحنات والطائرات والسفن تحتاج إلى الوقود)، وعلى التصنيع، وعلى إنتاج البلاستيك والمواد الكيميائية. وفي الواقع، يُعد النفط المادة الخام الأساسية لمعظم أنواع البلاستيك، لذلك فإن تقلبات أسعار النفط “تدفع مباشرة تكاليف الإنتاج ومصاريف سلسلة التوريد”.
- النقل والشحن: ارتفاع أسعار النفط يعني ارتفاع أسعار البنزين والديزل. وهذا يزيد تكلفة نقل البضائع، من المنتجات الزراعية إلى الإلكترونيات.
- التصنيع والبلاستيك: العديد من مدخلات المصانع مشتقة من النفط. وعندما يرتفع النفط، ترتفع معه تكاليف البلاستيك والمواد الخام.
- السلع والخدمات الاستهلاكية: لا تظل التكاليف الإضافية محصورة في مرحلة واحدة. فارتفاع أسعار النفط “يزيد تكاليف ممارسة الأعمال… سواء كانت أجرة التاكسي الأعلى، أو تذاكر الطيران الأغلى، أو تكلفة التفاح المشحون من كاليفورنيا، أو الأثاث الجديد القادم من الصين، فإن أسعار النفط المرتفعة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار منتجات وخدمات تبدو غير مرتبطة”.
باختصار، كل حركة كبيرة في أسعار النفط تغيّر تكاليف الإنتاج واللوجستيات عبر القطاعات. هذا الضغط على هوامش الأرباح يظهر في النهاية في تقارير أرباح الشركات—حتى تلك البعيدة عن حقول النفط.
النفط والتضخم: سلسلة من ردود الفعل
ارتفاع أسعار النفط يطلق سلسلة مألوفة من ردود الفعل في الاقتصاد والأسواق:
- تكاليف أعلى ⇒ تضخم أعلى: النفط عنصر أساسي في الاقتصاد، لذلك عندما ترتفع أسعار الخام، يرتفع التضخم لدى المنتجين والمستهلكين معًا. فتكاليف البنزين والنقل تزيد، وتكاليف المواد المعتمدة على النفط (البلاستيك والمواد الكيميائية) تنتقل إلى أسعار العديد من السلع.
- استجابة البنوك المركزية: مع ارتفاع التضخم، غالبًا ما تقوم البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية (أو تأجيل خفض أسعار الفائدة). وهذا يؤدي عادة إلى ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل.
- ارتفاع العوائد يضغط على أسهم النمو: ارتفاع أسعار الفائدة يعني ارتفاع عوائد السندات. وبما أن تقييمات الأسهم—وخاصة أسهم التكنولوجيا—تعتمد على القيمة الحالية للأرباح المستقبلية، فإن العوائد المرتفعة تضغط على تلك التقييمات. وبمعنى آخر: “عندما تكون العوائد منخفضة، ترتفع القيمة الحالية للأرباح المستقبلية، مما يدعم أسعار الأسهم. وعندما تكون العوائد مرتفعة، تنخفض التقييمات”.
بعبارة بسيطة، الزيادة في التضخم الناتجة عن ارتفاع النفط قد تجبر على رفع أسعار الفائدة، مما يجعل أسهم النمو المكلفة (وخاصة شركات التكنولوجيا التي تعتمد أرباحها على المستقبل) أقل جاذبية. وأسهم التكنولوجيا، التي غالبًا ما يُتداول بها عند مضاعفات مستقبلية مرتفعة، تكون الأكثر تأثرًا.
النفط مقابل التكنولوجيا: عام من التباعد
المصدر: TradingView. جميع المؤشرات مبنية على إجمالي العائد بالدولار الأمريكي. الأداء السابق ليس مؤشرًا موثوقًا للأداء المستقبلي. البيانات حتى 12 نوفمبر 2025.
انخفاض النفط، وارتفاع التكنولوجيا. يُظهر هذا الرسم كيف تزامن انخفاض أسعار النفط الخام في عام 2025 مع ارتفاع أداء مؤشر ناسداك — مثال واضح على كيفية قدرة صدمات النفط على تغيير شهية المخاطر لدى المستثمرين.
شهية المخاطرة والتنقل بين أسهم النمو والأسهم الدفاعية
بعيدًا عن التكاليف والتضخم، تؤثر تحركات النفط على نفسية المستثمرين. فقد تؤدي قفزة مفاجئة في أسعار النفط إلى خلق مزاج “عزوف عن المخاطر”. وعندما يبدو التضخم المدفوع بالسلع الأساسية مقلقًا، يميل المتداولون إلى التحول من أسهم التكنولوجيا المرتفعة إلى استثمارات دفاعية (المرافق، السلع الاستهلاكية الأساسية، أو السندات الحكومية). وعلى العكس، عندما يهدأ النفط، قد تعود شهية المخاطرة.
يرى بعض المحللين أن سعر النفط هو إشارة اقتصادية كبرى: إذا كان التضخم المرتبط بالنفط منخفضًا، فإن الأصول عالية المخاطر (مثل التكنولوجيا وأسهم النمو) عادة ما تستفيد. وقد لاحظ أحد التقارير الأخيرة أن تراجع ضغط أسعار الطاقة قد يعيد توجيه الأموال من قطاع الطاقة إلى قطاعات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والتي “قد تستفيد من انخفاض تضخم تكلفة المدخلات السلعية”. باختصار، عندما تهدأ مخاوف النفط، غالبًا ما ترتفع أسهم التكنولوجيا ذات التقييمات العالية. وعندما تتصاعد المخاوف، قد تنخفض التكنولوجيا أسرع من معظم القطاعات الأخرى.
النفط كميزان لقياس النمو الاقتصادي العالمي
يلعب النفط أيضًا دور المقياس اللحظي للاقتصاد العالمي. فعندما تنمو الاقتصادات بقوة، يرتفع الطلب على النفط وأسعاره. وعلى النقيض، غالبًا ما تشير الانخفاضات الحادة في أسعار النفط إلى تباطؤ اقتصادي. (على سبيل المثال، في عام 2020، انهار الطلب على النفط وأصبحت الأسعار سلبية خلال فترات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا.)
وفي كلتا الحالتين، تعيد تحركات النفط الكبيرة تشكيل توقعات النمو. فالارتفاع الحاد في الأسعار يمكن أن يخنق الطلب (من خلال رفع التكاليف وإضعاف الإنفاق الاستهلاكي)، بينما قد يعكس الانخفاض الشديد نموًا ضعيفًا. وفي كلتا الحالتين، تتغير توقعات أرباح الشركات، وينعكس ذلك على تقييمات مختلف القطاعات. حتى شركات التكنولوجيا—التي تبدو تكاليفها مرتبطة بالرقائق والبرمجيات—يتم تقييمها داخل اقتصاد واحد حيث يؤثر النفط على التضخم، وأسعار الفائدة، والطلب.
الخلاصة
النفط أكثر بكثير من مجرد رسم بياني لسلعة أساسية. فهو مرتبط بالتضخم، وتكاليف الاقتراض، ونفقات الإنتاج، وشهية المخاطرة لدى المستثمرين، وآفاق النمو العالمي. وبصفتنا مستثمرين، نتجاهل قصة النفط على مسؤوليتنا الخاصة. قد تبدو التكنولوجيا بعيدة عن حقول النفط، لكن أسعار أسهمها تتحرك وفق الإيقاع نفسه للآلة الاقتصادية العالمية. عمليًا، يعني ذلك أن المتداولين المحترفين لا ينظرون إلى تحركات النفط كأحداث منفصلة، بل كمؤشرات اقتصادية كبرى تعكس مزاج السوق العام. راقب النفط جيدًا… فقد يعيد تشكيل مشهد المخاطر في محفظتك بالكامل!